أزمة حلب- هل تلتئم جراح سوريا أم تعمق الانقسام؟

المؤلف: حمود أبو طالب11.02.2025
أزمة حلب- هل تلتئم جراح سوريا أم تعمق الانقسام؟

تفاءلنا بالاتفاق التاريخي بين لبنان وإسرائيل، الذي يهدف إلى إنهاء التدمير المروع والمنظم الذي لحق بلبنان، والذي أضاف مأساة جديدة إلى سلسلة المصاعب المتراكمة. كما لاحت في الأفق بارقة أمل بوقف آلة الموت والخراب والتهجير والحصار المفروض على غزة منذ ما يزيد على عام، وذلك بفضل الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تقودها الدول العربية والإسلامية الفاعلة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي استضافت قمتين طارئتين لوقف إطلاق النار والشروع في مسيرة سلام مستدامة، تفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. ولكن، يبدو أن هذه المنطقة المنكوبة لا يُراد لها أن تنعم بالهدوء والاستقرار، فما تكاد أزمة تنتهي حتى تشتعل نيران أزمة أخرى بشكل مؤسف.

هذه المرة، تحولت أنظار وسائل الإعلام العالمية إلى شمال سوريا، وتحديداً إلى مدينة حلب، التي فوجئت بهجوم عنيف ومباغت شنته "هيئة تحرير الشام" للمرة الأولى منذ سنوات عديدة. وبشكل دراماتيكي متسارع، تمكن هذا الفصيل المسلح من السيطرة الكاملة على المدينة وريفها، وذلك عقب اشتباكات دامية أسفرت حتى الآن عن مصرع ما يزيد على 445 شخصاً، وتدهور كارثي في الأوضاع الإنسانية، ونقص حاد في المواد الغذائية الأساسية والأدوية المنقذة للحياة، وإغلاق المرافق الحيوية الضرورية، وخروج المستشفيات من الخدمة بشكل كامل، وصعوبة بالغة في الفرار من هذا الجحيم المشتعل بسبب الحصار المحكم الذي يطوق المدينة وضواحيها. ولا تزال الأخبار المقلقة تتدفق تباعاً، مما ينذر بوقوع كارثة إنسانية جديدة قد تتسع رقعتها وتصبح أكثر فتكاً وتدميراً.

سوريا الجريحة والممزقة لم تكن بحاجة إلى المزيد من المعاناة والأوجاع، فهي منذ اندلاع شرارة "الربيع العربي" المشؤوم أصبحت أرضاً مستباحة وساحة خلفية لتصفية الحسابات بين الدول الإقليمية والعالمية الكبرى، على حساب المواطن السوري المغلوب على أمره وحياته وسلامته، وعلى حساب بقاء سوريا كدولة ذات سيادة ووطن مستقل. الكل متواجدون على الأراضي السورية المنكوبة: روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، وتركيا، وكل واحدة من هذه الدول العظمى تقوم برعاية فصيل مسلح معين وتقدّم له الدعم اللوجستي والمالي الكامل، وتدفعه إلى الاصطدام بالفصائل الأخرى المتناحرة. لقد أصبح الجيش السوري النظامي مجرد لاعب ثانوي على المسرح السياسي والعسكري، وذلك في مواجهة هذه الفصائل والتنظيمات المتطرفة التي تدعي تمثيل الشعب السوري، بينما هي في الواقع تعمل على تمزيق وحدة البلاد وتفتيت أراضيها. فها هي حلقة جديدة ومقلقة من مسلسل العنف الدموي تبدأ فصولها المأساوية في حلب بطريقة مريبة وفي توقيت بالغ الخطورة، وكأنها مؤامرة خبيثة تهدف إلى إدامة حالة التوتر والفوضى والأزمات في المنطقة العربية بشكل دائم ومستمر.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة